عندما أعلن المرحوم د ياسين عبد الغفار أستاذ الكبد الشهير في إحدى المؤتمرات في القرن الماضي أن التهاب الكبد الفيروسي في مصر تحول الى أخطر وباء عرفته البلاد ، قامت الدنيا ولم تقعد ،وهاجت عليه وسائل الاعلام ، كيف يعلن تلك الفضيحة على الملأ ؟ ، وكأننا نكنس التراب تحت السجادة لنتطهر أمام العالم، ثم جاءت الدراسات من احدى محافظات الوجه البحري بنسبة صادمة واحصائية كارثية ، واحد من كل خمسة مواطنين مصاب بفيروس سي !! كنت أرى مرضى تليف الكبد في طرقات المستشفيات ببطونهم المنفوخة وعيونهم الصفراء ووجوههم التي تشبه الجماجم ، وهم يتوسلون الى الأطباء، انقذونا ، لم يكن أمام الأطباء وقتها الا حقن الانترفيرون التي كانت تجعل المريض كسيحاً شبه مشلول ، وكأننا عالجنا الداء باطلاق رصاصة الرحمة على المريض، كانت مضاعفاتها عنيفة، ونتائجها هزيلة ، كنت أرى أقاربي في دمياط وقد نهشهم الفيروس وحول أكبادهم بعد التليف الى بؤرة سرطان ، منتهى البؤس وقمة المعاناه ، دائرة جهنمية لا تنتهي، كاد اليأس يفتك بالجميع ، وكانت في كل بيت ريفي جنازة لمريض كبد ، لم أتخيل أن أعيش الى اليوم الذي ترفع فيه في مصر لافتة مصر خالية من فيروس سي ، لم أكن أحلم ، مسح ل ٦٣ مليون مواطن في سبعة أشهر في مشروع يرعاه الرئيس ، مع توفير دواء علاج فيروس سي مجاناً وهو الدواء الذي يباع بملايين في الخارج!! منظمة الصحة العالمية ستعلن أن مصر أصبحت دولة خالية من فيروس سي ، إنه أجمل حلم وأعظم انجاز ، لن يقدره حق قدره إلا من رأى دموع اليتامى والثكلى والمكلومين الذين فقدوا الأب والزوج أو الابنة أو الأم التي نهش كبدها هذا الفيروس اللعين.